الكذبُ في الرُّؤيا بقصد الدَّعوة إلى الله

لقد بيَّن الرَّسولُ r عقوبةَ مَن يكذب في رؤياه فقال عليه الصَّلاة والسلام: «من تحلم بحلم لم يره كُلِّف أن يَعقد بين شعيرتين ولن يفعل»([1]).

فهذا الحديث يفيد تحريم الكذب في الرؤى والأحلام مطلقًا، ولا يُعْذَر في ذلك مَن يكذب في الرُّؤيا لأجل الدَّعوة إلى الله؛ كأن يَعْمَدَ إلى إنسان عاصٍ يريد بذلك هدايتَه ويقول له: رأيتُك تعذب في القبر. أو نحو ذلك من الأساليب؛ فكلُّ ذلك حرامٌ؛ لأنَّه لا سبيلَ إلى الدَّعوة إلى الله إلَّا بالطُّرُق المشروعة، والغايةُ لا تبرِّرُ الوسيلة؛ فلا يجوز لنا أن نستحدثَ طُرُقًا تخالف شرعَ الله، وليسعنا ما وسع السَّابقين فندعو إلى شرع الله بما شرَّع الله، ولسنا ملزَمين باستحداث الطُّرُق المحرَّمة لأجل دعوة الآخرين، ولو ظهر لنا إيجابيَّاتُها؛ لأنَّ سلبياتها ستكون أكثر، ويكفي زجرًا عن الكذب في الرُّؤيا قولُه r: «من أفرى الفِرَى أن يُري عينَه ما لم ترَ»([2]).

فقد يتشوَّق الإنسانُ إلى صدق الرُّؤيا وصلاحها، ولكن دون مراعاة الأسباب التي توصل إلى ذلك.

ومن الأسباب التي توصل إلى صدق الرُّؤيا وصلاحها:

أوَّلاً: الصِّدقُ في القول والعمل؛ لذا قال r: «أصدقُكم رؤيا أصدقُكم حديثًا»([3]).

ثانيًا: مراعاة آداب النوم؛ كالنَّوم على طهارة، والنَّوم على الجنب الأيمن، وقراءة آية الكرسيّ والمعوِّذات وغيرها من أذكار النَّوم؛ قال ابنُ القَيِّم: (ومَن أراد أن تَصْدُقَ رؤياه فليتحرَّ الصِّدقَ وأكلَ الحلال والمحافَظة على الأمر والنَّهي، وَلْيَنَمْ على طهارة كاملة مستقبلَ القبلة، ويذكر الله حتى تغلبَه عيناه؛ فإنَّ رؤياه لا تكاد تكذب البتَّة)([4]).

([1])رواه البخاري في كتاب التعبير باب من كذب في حلمه (الفتح 12/529 برقم 7043).

([2])رواه البخاري في كتاب التعبير باب من كذب في حلمه (الفتح 12/528 برقم 7043).

([3])رواه مسلم في كتاب الرؤيا برقم 2263 (النووي 15/29).

([4])مدارج السالكين (1/63).

تهاوُنُ البعض بشأن الرُّؤيا وتعبيرها

فمن الأشخاص مَن لا يتعامل مع ما يرى في منامه أو يُذْكَرُ له من رؤَى إلَّا بهذا المبدأ؛ (أضغاث أحلام)!! فَيَصف جميعَ الرُّؤَى المناميَّة بهذا الوصف، وربَّما رأى أنَّ التَّشاغُلَ بالرُّؤَى مضيعةٌ للوقت أو من العبث؛ وذلك بسبب جهله بالرُّؤَى وتعبيراتها؛ فنقول لهؤلاء: إنَّ النَّبيَّ r بيَّن مكانةَ الرُّؤيا فقال- عليه الصَّلاةُ والسَّلام: «رؤيا المؤمن جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة»([1])، وقال r عن الرُّؤيا في آخر الزَّمان أنَّه «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب»([2]). أخرجه مسلم.

وكان النَّبيُّ r يسأل أصحابَه عمَّا رَأَوا في منامهم ويفسِّر لهم؛ قال القرطبيُّ في المفهم: (على الرَّائي أن يَعْتَني بها ويسعى في تفهُّمها ومعرفة تأويلها؛ فإنَّها إمَّا مبشِّرةٌ له بخير، أو محذرةٌ له من شَرٍّ؛ فإن أدرك تأويلَها بنفسه وإلَّا سأل عنها مَن له أهليَّةُ ذلك؛ وهو اللَّبيبُ الحبيبُ، ولذلك كان النَّبيُّ r يقول إذا أصبح: «هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا فليقصها أعبرها له». فكانوا يقصُّون عليه ويعبُر([3]).

إنَّ الجهلَ بآداب الرُّؤَى والأحلام قد يوقع الإنسانَ في وساوس وأوهام لا حدودَ لها؛ فإنَّ من الصَّحابة مَن كانت الرُّؤيا تُمرضه، ومنهم مَن كان يرى الرُّؤيا كالجبل الذي يريدُ أن يسقط عليه، فلما أخذوا بتلك الآداب أصبحوا لا يُبالون بتلك الرُّؤَى التي كانت تُزْعجهم؛ فعلى المسلم أن يتعلَّمَ آدابَ الرُّؤَى والأحلام؛ كي ينجوَ من تبعاتها وآثارها؛ فمن آداب الرُّؤيا الصَّالحة ما يلي:

أ- أن يحمد الله عليها ويستبشر بها.

ب- أن يحدِّث بها من يحب.

ج- لا يخبر بها حاسدًا أو جاهلاً.

وأمَّا آدابُ الرُّؤيا المكروهة فهي ستَّةٌ كما دلَّت عليها الأحاديث الصَّحيحة وهي:

أ- أن يستعيذَ بالله من شرورها.

ب- أن يستعيذ بالله من الشيطان.

ج- أن ينفث ثلاثًا عن شماله.

د- لا يخبر بها أحدًا.

هـ- يتحول إلى جنبه الآخر.

و- يقوم يتوضأ ويصلي ([1]).

([1])انظر فتح الباري (12/459).

([1])رواه البخاري برقم (6987)؛ ومسلم (2264).

([2])أخرجه مسلم برقم (2263).

([3])المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/14.